تفسير عميق لآلية التوقف في الأسهم الأمريكية: من الإثنين الأسود إلى التوقف الرباعي في 2020

تاريخ سوق الأسهم الأمريكية شهد عدة أحداث هبوط حادة لا تُنسى، وأبرزها على الإطلاق هو توقف التداول أربع مرات متتالية خلال شهر واحد في عام 2020. ما هي الآليات السوقية التي تكمن وراء هذه الأحداث؟ لماذا تم إنشاء آلية التوقف؟ وهل هي حقًا تحمي المستثمرين؟ ستأخذك هذه المقالة للتعرف بشكل شامل على أسرار آلية التوقف في سوق الأسهم الأمريكية.

من يوم الاثنين الأسود: ولادة آلية التوقف

في 19 أكتوبر 1987، شهد سوق الأسهم الأمريكية يوماً مظلماً. حيث هبط مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 508.32 نقطة خلال يوم تداول واحد فقط، بنسبة انخفاض بلغت 22.61%. وسُمي هذا الانهيار بـ"الاثنين الأسود"، وانتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم، حيث انهارت أسواق الأوراق المالية في عدة دول خلال ساعات قليلة، مما أدى إلى حالة من الذعر غير المسبوقة في السوق.

هذا الكارثي الانهيار دفع الجهات التنظيمية إلى إدراك الحاجة لوجود آلية طوارئ لمنع السوق من الانفلات. ومن هنا وُجدت آلية التوقف في سوق الأسهم الأمريكية، والتي استُلهمت من قواطع الدوائر الكهربائية — فعندما يتجاوز التيار الحد الأقصى، يتم فصل التيار تلقائياً لمنع حدوث حريق. ونفس المنطق تم تطبيقه على سوق الأسهم.

كيف تعمل آلية التوقف في سوق الأسهم الأمريكية

المبدأ الأساسي لآلية التوقف هو إيقاف السوق مؤقتًا عند حدوث تقلبات حادة. وتحدد الجهات التنظيمية ثلاث نقاط تفعيل بناءً على مؤشر S&P 500.

خلال أوقات التداول العادية (من 9:30 إلى 16:00 بالتوقيت الشرقي للولايات المتحدة)، وبناءً على نسبة الانخفاض في مؤشر S&P 500 مقارنة بسعر الإغلاق السابق، تُقسم آلية التوقف إلى ثلاث مستويات:

التوقف الأول يُفعل عندما ينخفض المؤشر بنسبة 7%، حيث تتوقف جميع عمليات تداول الأسهم لمدة 15 دقيقة. وإذا حدث هذا بعد الساعة 15:25، فلن يتم تفعيل التوقف.

التوقف الثاني يُفعل عندما ينخفض المؤشر بنسبة 13% خلال نفس اليوم، ويؤدي إلى إيقاف التداول لمدة 15 دقيقة، وإذا حدث بعد الساعة 15:25، فلن يتوقف السوق.

التوقف الثالث يُفعل عند انخفاض المؤشر بنسبة 20%، وهو أشد التدابير — حيث يتوقف السوق تمامًا عن التداول لبقية اليوم. ويعني ذلك إغلاق السوق بشكل رسمي.

ومن الجدير بالذكر أن التوقف الأول أو الثاني يُمكن أن يحدث مرة واحدة فقط في نفس اليوم. فمثلاً، إذا انخفض المؤشر بنسبة 7%، وتوقف السوق، ثم انخفض مرة أخرى بنسبة 7%، فلن يتكرر التوقف إلا إذا وصل الانخفاض إلى 13% أو 20%.

لماذا نحتاج إلى آلية التوقف

على السطح، تبدو آلية التوقف كزر إيقاف بسيط، لكن وراءها منطق عميق. الهدف الرئيسي هو منع ردود فعل المستثمرين المفرطة التي قد تتسبب في كارثة للسوق.

عندما تتقلب السوق بشكل كبير، غالبًا ما تتأثر أسعار الأسهم بمشاعر الذعر. فمشاهدة السوق تتراجع، يدفع المستثمرون العاديون إلى البيع بشكل تلقائي، وتنتشر هذه الحالة من التماثل بسرعة، مما يؤدي إلى انهيار غير عقلاني للسوق وتشويه في الأسعار.

عند تدخل آلية التوقف، يتم إجبار السوق على التوقف. وهذه الـ15 دقيقة أو حتى حتى نهاية اليوم، توفر للمستثمرين فرصة للتفكير بشكل هادئ، وإعادة تقييم الوضع، بدلاً من اتخاذ قرارات مبنية على الخوف فقط.

بالإضافة إلى ذلك، تساعد آلية التوقف على الحد من ظاهرة “الانهيار المفاجئ” أو الـ"فلاش كراش". ففي 6 مايو 2010، حدثت حالة من هذا النوع — حيث قام متداول باستخدام التداول عالي التردد لخلق كميات هائلة من الأوامر القصيرة، مما أدى إلى هبوط مؤشر داو جونز بمقدار 1000 نقطة خلال 5 دقائق فقط. ومع وجود آلية التوقف، تقل احتمالية حدوث مثل هذه الحالات القصوى بشكل كبير.

التأثير المزدوج لآلية التوقف

من الناحية النظرية، يُنظر إلى آلية التوقف على أنها مظلة حماية للمستثمرين. فهي تساعد على إضفاء “الهدوء” عند حدوث الذعر، وتقلل من عمليات البيع المفرطة، وتعيد السوق إلى مساره الطبيعي تدريجيًا.

لكن الواقع أكثر تعقيدًا. فبعض المستثمرين، عند اقتراب السوق من نقاط التفعيل، قد يسرعون في البيع خوفًا من عدم القدرة على الخروج خلال فترة التوقف. هذا السلوك قد يزيد من تقلبات السوق، ويخلق ما يُعرف بـ"فخ التوقف". وفي بعض الحالات، يصبح توقع السوق لآلية التوقف نفسه عاملاً من عوامل المخاطرة الجديدة.

بشكل عام، تعتبر آلية التوقف سلاحًا ذا حدين — فهي تهدف إلى استقرار السوق، لكن فعاليتها تعتمد على ردود فعل المشاركين في السوق.

مراجعة أحداث التوقف السابقة

منذ تطبيق آلية التوقف رسميًا في عام 1988، حدثت خمس حالات توقف في سوق الأسهم الأمريكية:

27 أكتوبر 1997: بسبب الأزمة المالية الآسيوية، هبط مؤشر داو جونز بنسبة 7.18%، مما أدى إلى تفعيل التوقف الأول، وتوقف التداول لمدة 15 دقيقة.

9، 12، 16، 18 مارس 2020: بسبب تفشي جائحة كوفيد-19، حدثت أربع حالات توقف من المستوى الأول خلال أسبوعين، وهو رقم قياسي في تاريخ السوق الأمريكي.

أكثر أحداث التوقف تأثيرًا كانت في 18 مارس 2020. حيث هبط مؤشر S&P 500 بنسبة 7%، مما أدى إلى تفعيل التوقف الرابع خلال أسبوعين. وعلى الرغم من إعلان الحكومة الأمريكية عن حزم إنقاذ اقتصادية بقيمة مئات المليارات من الدولارات، استمرت الحالة في الانهيار. وفي اليوم التالي، بعد هبوط المؤشر بنسبة 6%، تكرر التوقف، وانهار مؤشر داو جونز بمقدار 2999 نقطة، أي بنسبة 12.9%.

حتى 18 مارس، انخفض مؤشر ناسداك بنسبة 26% عن أعلى مستوى في فبراير، وانخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 30%، ومؤشر داو جونز بنسبة 31%. وأسباب الأزمة تتضمن: حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا، وتفشي فيروس كورونا وتدهور التوقعات الاقتصادية.

الفرق بين توقف الأسهم الفردية وتوقف السوق ككل

بالإضافة إلى التوقف العام للسوق بناءً على مؤشر S&P 500، توجد آلية التوقف على مستوى الأسهم الفردية (المعروفة أيضًا باسم آلية التوقف المؤقت أو LULD).

التوقف العام هو نظام حماية “نظامي” يُفعل عندما ينخفض المؤشر بشكل كبير، أما التوقف على مستوى السهم فهو حماية خاصة لكل سهم على حدة — حيث تضع البورصات حدودًا على نسبة الارتفاع والانخفاض المسموح بها للسهم، وإذا تجاوز السعر هذه الحدود، يُفرض على السهم توقفًا لمدة 15 ثانية، وإذا لم يُعد إلى النطاق الطبيعي خلال 15 ثانية، يُوقف التداول على السهم لمدة 5 دقائق.

هل ستتكرر حالات التوقف في المستقبل؟

يسأل المستثمرون غالبًا: هل ستتكرر حالات التوقف مرة أخرى؟ والإجابة قد تكون نعم.

عادةً، يحدث التوقف في الحالات التالية: أولًا، عند وقوع أحداث غير متوقعة بشكل كبير، مثل جائحة كوفيد-19 أو الأزمات المالية؛ ثانيًا، عندما تصل السوق إلى ذروتها وتتعرض لضربات خارجية غير متوقعة، مثل صدور بيانات اقتصادية مخالفة للتوقعات أو تغييرات مفاجئة في السياسات، مثل رفع أسعار الفائدة.

حاليًا، لا تزال مخاوف الركود الاقتصادي قائمة، مما يعني أن خطر التوقف لا يزال قائمًا.

وفي حال حدوث توقف مرة أخرى، فإن استراتيجيات المستثمرين يجب أن تكون: أولًا، عدم الذعر المفرط؛ ثانيًا، تبني استراتيجية “الاحتفاظ بالنقد” لضمان سلامة رأس المال وسيولة الأموال؛ ثالثًا، خلال فترة التوقف، غالبًا ما تكون الفرص الاستثمارية الجيدة نادرة، فالأفضل هو الصبر والاستعداد للاستثمار المستقبلي.

الخلاصة

آلية التوقف في سوق الأسهم الأمريكية هي أداة مهمة لحماية السوق ذاتيًا. فهي تعمل على إيقاف التداول تلقائيًا عند حدوث انخفاضات حادة، وتوفر للمشاركين فرصة للتفكير الهادئ. وتُحدد ثلاثة مستويات — 7%، 13%، و20% — لتشكيل نظام حماية تدريجي.

من انهيار سوق الاثنين الأسود عام 1987، إلى تأثيرات جائحة 2020، شهدت آلية التوقف أوقاتًا عصيبة جدًا للسوق. وعلى الرغم من أنها ليست حلاً مثاليًا، إلا أنها ساعدت إلى حد كبير في تقليل المخاطر الناتجة عن تقلبات السوق الشديدة. وفهم كيفية عملها يمكن أن يساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات أكثر عقلانية خلال فترات التقلبات الحادة.

شاهد النسخة الأصلية
قد تحتوي هذه الصفحة على محتوى من جهات خارجية، يتم تقديمه لأغراض إعلامية فقط (وليس كإقرارات/ضمانات)، ولا ينبغي اعتباره موافقة على آرائه من قبل Gate، ولا بمثابة نصيحة مالية أو مهنية. انظر إلى إخلاء المسؤولية للحصول على التفاصيل.
  • أعجبني
  • تعليق
  • إعادة النشر
  • مشاركة
تعليق
0/400
لا توجد تعليقات
  • Gate Fun الساخن

    عرض المزيد
  • القيمة السوقية:$3.56Kعدد الحائزين:2
    0.00%
  • القيمة السوقية:$3.53Kعدد الحائزين:2
    0.04%
  • القيمة السوقية:$3.5Kعدد الحائزين:1
    0.00%
  • القيمة السوقية:$3.5Kعدد الحائزين:1
    0.00%
  • القيمة السوقية:$3.49Kعدد الحائزين:1
    0.00%
  • تثبيت